جامعة القاضي عياض
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
مختبر الترجمة وتكامل المعارف
مراكش
بسم الله الرحمن الرحيم
ينظم
مختبر الترجمة وتكامل المعارف
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة القاضي عياض – مراكش
يوما دراسيا احتفاءً بالدكتور عبد الله البهلول من جامعة القيروان – الجمهورية التونسية
في موضوع:
“قراءة في المشروع البلاغي والنقدي للأكاديمي الدكتور عبد الله البهلول“
يوم 05 مارس 2015 برحاب كلية الآدابـ- مراكش.
برزت في العصر الحديث مجموعة من التصورات النقدية والبلاغية الجديدة التي تهدف إلى التجديد في البلاغة العربية وتخليصها من الجمود الذي وسمها في عصورها المتأخرة.
وفي هذا الإطار، يندرج المشروع النقدي والبلاغي للدكتور عبد الله البهلول، الذي يرى أن عناية البلاغيين المتأخرين بأساليب التعبير تجميلا وتنميقا، وأن تعاظم شأن الصور والمجازات باعتبارها هدفا في ذواتها، هو الذي أفضى بالبلاغة العربية إلى التركيز على بلاغة العبارة، بدلا من التركيز على النص والخطاب؛ مما يؤدي إلى ضياع المقصد الأساس من البلاغة الذي هو الإبلاغ والإقناع والتأثير.
ومن هذا المنطلق، سعى الدكتور عبد الله البهلول إلى ربط البلاغة بالخطاب، كما سعى إلى إعادة قراءة النصوص العربية القديمة التي تتضمن وعيا بالعلاقة الجدلية بين البلاغة والإقناع، فالقول البليغ هو القول المقنع، والقول المقنع هو القول البليغ.
إن مقاربة الدكتور عبد الله البهلول تهدف إلى تطوير الممارسة البلاغية والنقدية العربية استنادا في ذلك إلى معرفة عميقة بالدرس اللغوي والبلاغي القديم، واستعانة بما وصلت إليه الدراسات اللسانية والنقدية والأدبية والبلاغية الحديثة من آليات ومناهج لتحليل الخطاب الأدبي، وبالاستفادة من مجالات معرفية أخرى. وقد جاءت مقاربته مبثوثة في مجموعة من المؤلفات والمقالات نذكر منها:
- في بلاغة الخطاب الأدبي: بحث في سياسة القول
- المبالغة بين اللغة والخطاب: ديوان الخنساء أنموذجا
- الوصايا الأدبية إلى القرن الرابع هجريا: مقاربة أسلوبية حجاجية
- الحجاج الجدلي: خصائصه الفنية وتشكلاته الأجناسية في نماذج من التراث اليوناني والعربي
- المتكلم واستراتيجية السرد في أخلاق الوزيرين للتوحيدي
- من طرائق الاستدراج في مؤلفات الجاحظ
- استراتيجيات السكوت والإسكات في الرسائل المتبادلة بين أبي العلاء المعري وداعي الدعاة الفاطمي
وقد وجد مختبر الترجمة وتكامل المعارف بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض – مراكش في هذا المشروع مادة غنية تغري باستضافة صاحبه، لما تتميز به أبحاثه من رصانة وجدة، ولما يتميز به صاحب المشروع من علم مكين، وأخلاق عالية، ومن ثم جاءت هذه الاستضافة تحت عنوان: “قراءة في المشروع البلاغي والنقدي للأكاديمي الدكتور عبد الله البهلول” تعريفا وتكريما واحتفاء بجهود ضيفنا الجليل وبمشروعه البلاغي، وفرصة لالتقاء صفوة من الأساتذة والباحثين الأكاديميين المتخصصين في البلاغة العربية والنقد القديم والأسلوبية وتحليل الخطاب… والتباحث في القضايا والإشكالات التي يطرحها هذا المشروع.
برنامج اليوم الدراسي “قراءة في المشروع البلاغي والنقدي للأكاديمي الدكتور عبد الله البهلول”
دعــــــــــــــــوة
تتشرف عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ومدير “مختبر الترجمة وتكامل المعارف” ومنسق ماستر “اللغة والنص” بدعوة فضيلتكم – أساتذة وطلبة – لحضور اليوم الدراسي الذي ينظمه مختبر الترجمة وتكامل المعارف وماستر “اللغة والنص” احتفاء بالباحث الأكاديمي التونسي الدكتور عبد الله البهلول في موضوع: “قراءة في المشروع البلاغي والنقدي للأكاديمي الدكتور عبد الله البهلول” يوم 05 مارس 2015 على الساعة 9 صباحا بقاعة المحاضرات–كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مراكش
برنامج اليوم
05/03/2015 09:00ـ الجلسة الافتتاحية
- كلمة مختبر الترجمة وتكامل المعارف: د. مولاي مصطفى أبو حازم – كلية الآداب والعلوم الإنسانية -مراكش
09:30ـ الجلسة الأولى
رئيس الجلسة: د. مولاي يوسف الإدريسي-كلية الآداب والعلوم الإنسانية -مراكش 09:30-د. إبراهيم أسيكار: كلية الآداب والعلوم الإنسانية -مراكش «معالم التأويل التداولي لخطاب الصمت في بلاغة الدكتور عبد الله البهلول» 09:50- د. أحمد قادم: كلية اللغة العربية –مراكش «الحجاج الجدلي من الحوار إلى المنازعة الفكرية» 10:10-د.عبد اللطيف عادل: كلية اللغة العربية-مراكش «الاشتغال الحجاجي في المتكلم واستراتيجيات السرد للدكتور عبد الله البهلول» 10:30-دة. للالة مريم بلغيثة– ذة. حنان الصلحي: مختبر الترجمة وتكامل المعارف-مراكش «الرمز الديني: الآفاق والتجليات قراءة في مقال: “في تأديب الرمز الديني (أبالسة الأدب)” للدكتور عبد الله البهلول»
10:50- استراحة شاي 11:20ـالجلسة الثانية
رئيس الجلسة: د. حسن المودن: المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين –مراكش 11:20- د. عبد القادر حمدي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية-مراكش «عبد الله البهلول وبلاغة الصمت» 11:40- د. مولاي يوسف الإدريسي – كلية الآداب والعلوم الإنسانية-مراكش « نظرات في المشروع النقدي والبلاغي للدكتور عبد الله البهلول » 12:00- د. رشيد أعرضي: كلية الآداب والعلوم الإنسانية -مراكش «أهمية المستويات اللغوية في الكشف عن وظائف البلاغة في الأجناس النثرية القديمة؛ قراءة في كتاب “من بلاغة الخطاب الأدبي: بحث في سياسة القول” للدكتور عبد الله البهلول»
12:20- دة. أسماء كويحي – د. عبد العزيز أيت بها: مختبر الترجمة وتكامل المعارف- مراكش «ألف ليلة وليلة مغريات السرد ولذة النص؛ قراءة في مقال “تقنيات الإغراء والتأثير في ألف ليلة وليلة” للدكتور عبد الله البهلول» 40: 12- ذ. سعيد قطفي- ذ. عبد العزيز جابا الله: مختبر الترجمة وتكامل المعارف -مراكش «التوظيف الفني -الإيقاعي للمبالغة: قراءة في كتاب: “المبالغة بين اللغة والخطاب ديوان الخنساء أنموذجا” للدكتور عبد الله البهلول»
15:00ـالجلسة المسائية رئيس الجلسة: د. محمد أديوان- كلية الآداب- الرباط مائدة مستديرة «القضايا البلاغية في كتب الرّدود النقدية (الرّدود على المثل السائر لابن الأثير أنموذجا)» يلقيها فضيلة الدكتور عبد الله البهلول: كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس – جامعة القيروان- تونس
مناقشة بمشاركة:
د. عبد القادر حمدي: كلية الآداب-مراكش د. محمد أديوان: كلية الآداب -الرباط د. مولاي مصطفى أبو حازم: كلية الآداب – مراكش د. علي المتقي: كلية اللغة العربية – مراكش د. أحمد قادم: كلية اللغة العربية-مراكش د. مولاي يوسف الإدريسي: كلية الآداب – مراكش د. رشيد أعرضي: كلية الآداب – مراكش د.محمد فتح الله مصباح:المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين- مراكش د. إبراهيم أسيكار: كلية الآداب -مراكش د. سعيد العوادي: كلية اللغة العربية – مراكش د. عبد اللطيف عادل: كلية اللغة العربية -مراكش د. حسن المودن: المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين -مراكش د. عبد الحميد زاهيد: كلية الآداب -مراكش
اللجنة المنظمة:
للا مريم بلغيثة عبد العزيز أيت بها هدى روض سعيد قطفي أسماء كويحي حنان واسنوان ليلى الغزواني عبد العزيز جابا الله محجوبة البفور عبد العزيز التزكيني محمد وسكسو حنان الصلحي
تقرير عن أعمال اليوم الدراسي: “قراءة في المشروع البلاغي والنقدي للدكتور عبد الله البهلول”
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش، يوم 05 مارس 2015م
نظم مختبر “الترجمة وتكامل المعارف” وماستر “اللغة والنص” في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، يوم 05 مارس 2015 م يوما دراسيا في موضوع: “قراءة في المشروع البلاغي والنقدي للدكتور عبد الله البهلول” بقاعة المحاضرات لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش.
وعرف برنامج هذا اليوم الدراسي تنوعا فكريا، تمثل في تقديم عُروض قيمة تناولت مشروع الدكتور عبد الله البهلول بالشرح والتحليل. كما تضمن برنامج هذا اليوم الدراسي محاضرة علمية لفضيلة الدكتور عبد الله البهلول، وذلك بحضور عدد مهم من الضيوف والمتخصصين في موضوع البلاغة والحجاج. وتوّج هذا اليوم الدراسي بشكر كل المسهمين في إنجاحه، وتقديم الدرع التكريمية للمحتفى به فضيلة الدكتور عبد الله البهلول.
الجلسة الافتتاحية
ترأس هذه الجلسة وقدّمها الدكتور مولاي مصطفى أبو حازم من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش. بدأ الأستاذ مولاي مصطفى أبو حازم كلمته بشكر كل من أسهم في تنظيم هذا النشاط العلمي وإنجاحه، وخصّ بالشكر الجزيل “مختبر الترجمة وتكامل المعارف”، باعتباره فضاء معرفيا وأكاديميا ينفتح بعقله وقلبه على قيم العلم والحكمة، لأنه دأب على عقد ندوات وطنية ومؤتمرات دولية، كما استضاف مفكرين وكتابا مرموقين كل في مجال تخصصه العلمي. ولم يفت الأستاذ أبا حازم التنويه بجهد رجل فريد يعمل في صمت وتواضع، إنه الدكتور عبد الحميد زاهيد الذي لا يكاد يتوقف عن النشاط، وتدبير المعرفة وإحيائها خدمة للعلم وأهله. لهذا وجه له الأستاذ أبو حازم التحية والتقدير العميمين، باسم ماستر “اللغة والنص”، وفريق البحث في “بنية اللغة العربية: أوصاف وإشكالات”.
ورحّب الأستاذ أبو حازم بالضيف المحتفى به فضيلة الأستاذ عبد الله البهلول، الذي حرّك الاحتفاءُ به لواعج من ذكريات قديمة في هذه الكلية. فقبل ربع قرن من الزمن استقبلت كلية الآداب في مراكش أعلاما تونسيين في النقد والبلاغة، أمثال: الدكتور حمادي صمود، والدكتور توفيق بكار، والدكتور حسين الواد. وارتأى “مختبر الترجمة وتكامل المعارف” أن يجدد تلك الصلات المتينة ويحييها من خلال استضافة الأستاذ عبد الله البهلول، وذلك من أجل بسط تجربته البلاغية، وخبرته العلمية المندفعة نحو آفاق ينتظر الجميع ثمارها. وختم الأستاذ أبو حازم كلمته الافتتاحية بالترحيب بكل الحاضرين والباحثين الذين أتوا لمتابعة أعمال هذا اليوم الدراسي، دعما منهم للأنشطة العلمية في هذه الكلية.
الجلسة العلمية الأولى
ترأس هذه الجلسة الدكتور مولاي يوسف الإدريسي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش، وقد تضمنت أربع مداخلات:
المداخلة الأولى كانت بعنوان: “معالم التأويل التداولي لخطاب الصمت في بلاغة الدكتور عبد الله البهلول” للدكتور إبراهيم أسيكار من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش. وتضمنت مداخلة الأستاذ أسيكار مقدمة ومحورين وخاتمة، وتمحورت حول الاشتغال التأويلي لتحليل خطاب الصمت في كتاب “في بلاغة الخطاب الأدبي، بحث في سياسة القول”، الذي درس فيه صاحبه الأستاذ عبد الله البهلول في الباب الأول نصي: “رسالة تفضيل النطق على الصمت” للجاحظ، و”الليلة السادسة” من “الإمتاع والمؤانسة” لأبي حيان التوحيدي. وقد أشار الأستاذ أسيكار في مقدمة مداخلته إلى العلاقة الوثيقة التي تربط التأويل بالبلاغة، وذلك بسبب حضور الهاجس التأويلي في كل البلاغات الإنسانية على شكل مفاهيم وإجراءات ولُمع خاصة، وهو ما يجعل من أي تأويل بلاغي نصا جديرا بالمدارسة والاهتمام من أجل الكشف عن مفاهيمه وإجراءاته ومقاصده. ثم انتقل الأستاذ أسيكار إلى التنويه بالدرس البلاغي التونسي المعاصر، وذلك من خلال الجهود التأويلية والتداولية لثلة من الأكاديميين التونسيين، أمثال: الأستاذ حمادي صمود، والأستاذ الهادي الطرابلسي، والأستاذ عبد الله صولة، والأستاذ شكري المبخوت، والأستاذ عبد الله البهلول، وغيرهم ممن أعادوا قراءة التراث البلاغي العربي بأدوات تأويلية وتداولية حديثة وجهت الأنظار من جديد إلى أهمية المعنى البلاغي في الخطاب الأدبي.
وعرض الأستاذ أسيكار في المحور الأول من مداخلته للمعنى البلاغي بين بلاغة العبارة وبلاغة الخطاب لدى الأستاذ عبد الله البهلول، الذي شدّد على أن الأوان قد حان للانتقال بالدرس البلاغي العربي من بلاغة العبارة إلى بلاغة الخطاب. وهي الدعوة التي وجدها الأستاذ أسيكار حاضرة لدى بعض أكابر البلاغيين الغربيين والعرب المعاصرين، كرولان بارط، وجيرار جينت، وحمادي صمود، ومحمد العمري.
وبيّن الأستاذ أسيكار في المحور الثاني من مداخلته أهمية بلاغة الصمت في الدراسة البلاغية لعبد الله البهلول، الذي عمل جاهدا على تقليص أثر التهميش الذي تعرض له هذا المعطى البلاغي، وذلك نتيجة اهتمام البلاغة العربية القديمة ببلاغة الكلام. أما المحور الثاني فقد استعرض فيه الأستاذ أسيكار أهم السمات الخطابية التي ركز عليها الأستاذ عبد الله البهلول في تأويله التداولي لنصي الجاحظ وأبي حيان التوحيدي. وهي سمات: الاجتماعية، والخطية، والتفاعلية، والذاتية، والسياقية. كما بيّن الأستاذ أسيكار أهم الكفايات التأويلية التي اعتمد عليها الأستاذ البهلول في تأويله التداولي لخطاب الصمت لدى كل من الجاحظ وأبي حيان التوحيدي، ومن هذه الكفايات: الكفاية اللسانية، والكفاية الموسوعية، والكفاية المنطقية، والكفاية البلاغية التداولية. وأشار الأستاذ أسيكار ـ أيضا ـ إلى ما ينطوي عليه تحليل الأستاذ عبد الله البهلول لخطاب الصمت لدى الجاحظ وأبي حيان التوحيدي، من استلزامات تخاطبية، وأعمال لغوية ومقاصد متنوعة. وختم بأن عمل الأستاذ عبد الله البهلول يعد ـ بحق ـ إحدى المحاولات التأويلية التداولية الجادة الرامية إلى توسيع دائرة الاشتغال البلاغي العربي وتعميقه من خلال خطاب الصمت لدى الجاحظ وأبي حيان التوحيدي.
المداخلة الثانية كانت بعنوان: “الحجاج الجدلي من الحوار إلى المنازعة الفكرية” للدكتور أحمد قادم من كلية اللغة العربية بمراكش. وقد حدد الأستاذ أحمد قادم محاور مداخلته في ثلاثة محاور: أولها إضاءات في الحجاج وأنواع الحجج، وثانيها الحجاج الجدلي من الحوار إلى المنازعة الفكرية، وثالثها الحجاج الجدلي في التراث العربي. وتحدث الأستاذ أحمد قادم في المحور الأول عن تعريف الحجاج بقوله: الحجاج كل ما دفع به الخصم عدا العنف. كما بيّن وجود فرق بين الحجاج الجدلي وباقي أنواع الحجاج، وأثبت بعد ذلك أن الحجاج يكون في المحتملات دون اليقينيات، كما يكون في الحق والباطل. وأشار ـ كذلك ـ إلى أقسام المنطق من وجهة نظر الفلاسفة والمناطقة، وهي خمسة أقسام: البرهان، والجدل، والخطابة، والسفسطة، والشعر.
وذهب الأستاذ أحمد قادم إلى أن الدليل البرهاني لا يكون ـ دائما ـ نافعا، لأنه في بعض الأحيان يقتضي المقام استخدام الدليل الجدلي. واستدل بقوله تعالى: ﴿أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.﴾ (سورة النحل،آية 125). ثم تحدث عن الفرق بين الجدال والحوار، مشيرا إلى أن الجدال يكون في المنازعة بخلاف الحوار.
المداخلة الثالثة كانت للدكتور عادل عبد اللطيف وهي بعنوان: “الاشتغال الحجاجي في المتكلم واستراتجيات السرد للدكتور عبد الله البهلول”. افتتح الأستاذ عادل عبد اللطيف مداخلته بشكر الساهرين على ماستر “اللغة والنص” و”مختبر الترجمة وتكامل المعارف”، نظرا لما وفروه من شروط عملية مناسبة للمطارحة المعرفية والأكاديمية، في مشروع يدمج بين الطلبة والأساتذة حول اجتهاد بلاغي جدير بالمتابعة والتقويم. كما عبر الأستاذ عادل عبد اللطيف عن سعادته بمشاركته في اليوم الدراسي المخصص لدراسة المشروع البلاغي والنقدي للأستاذ عبد الله البهلول، الذي يعد واحدا من الباحثين العرب الذين أخذوا على عاتقهم تجديد الدرس البلاغي وذلك بربطه بلسانيات التلفظ والتداولية وربطه بالمقاربة الحجاجية. ولعل ما يميز هذا المشروع في نظر الأستاذ المتدخل هو استناده إلى ثلاث ركائز:
- إعادة الاعتبار للبعد الحجاجي في البلاغة التي اعتبرها رولان بارت إمبراطورية واسعة تخترق كل الخطابات الإنسانية.
- تجاوز الباحثين العرب مقولة “الشعر ديوان العرب”، والتعاطي مع النصوص النثرية العربية القديمة من قبيل: الوصية، والسيرة، والرسالة، والرحلة، وتحليلها بأدوات منهجية جديدة تعتمد على مكتسبات الدرس اللساني الحديث.
- إيمان هؤلاء الباحثين بالتفاعل الأجناسي، فكل جنس أدبي ليس هوية مغلقة، بل هو ـ كما أشار إلى ذلك الأستاذ حمادي صمود ـ رحم أولٌ فيه كثير من الأجناس، وهو دائما متأهب؛ أي أنه بنية إمكان قادرة على التوسيع، وهذا ما تؤكده أعمال كثير من الباحثين أمثال الأستاذ عبد الله البهلول في تحليله رسالة أبي حيان التوحيدي وأعمال الأستاذة بسمة عروس.
وانتقل الأستاذ عادل عبد اللطيف بعد ذلك، إلى الحديث عن عمل الأستاذ عبد الله البهلول في تحليل “رسالة أخلاق الوزيرين” لأبي حيان التوحيدي. وهي الرسالة التي بيّن من خلالها الأستاذ عبد الله البهلول أنه بصدد رسالة سردية ذات بنية حجاجية. كما اعتبر الأستاذ عادل عبد اللطيف عودة الأستاذ عبد الله البهلول إلى هذه الرسالة عودة مقصودة، ذلك أن صاحبها كان معتزليا، ويعتمد في جل كتاباته على المنطق الحجاجي في الإقناع، خصوصا أن التوحيدي كان يُفترض ـ حسب الأستاذ البهلول ـ معارضا ضمنيا، فاستعمل الحجاج من أجل بيان مقصده والدفاع عن رأيه أمام خصومه الذين عاصرهم. وأكد الأستاذ عادل عبد اللطيف، في الأخير، قيمة دراسات الأستاذ عبد الله البهلول في مجال الحجاج الذي يعتبر ـ اليوم ـ من أهم الدراسات في العالم العربي.
المداخلة الرابعة كانت بعنوان: “الرمز الديني: الآفاق والتجليات قراءة في مقال: في تأديب الرمز الديني (أبالسة الأدب للدكتور عبد الله البهلول)”، وهي للباحثتين الدكتورة لالة مريم بلغيثة وحنان الصلحي: من “مختبر الترجمة وتكامل المعارف” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش. كانت هذه المداخلة عبارة عن قراءة في مقال “في تأديب الرمز الديني (أبالسة الأدب)” للأستاذ عبد الله البهلول، وقد أشارت الباحثتان للامريم بلغيثة وحنان الصالحي إلى إشادة الأستاذ عبد الله البهلول بأهمية الرمز في الحياة الاجتماعية، إذ يقول: “إن الرموز تلعب دورا مهما في التواصل الإنساني “، كما بيّنت الباحثتان أن المعطى الرمزي هو أحد أهم الأسس التي تقوم عليها الدراسة الأدبية لدى الأستاذ عبد الله البهلول، نظرا لما له من قدرة على الرقي بالعمل الأدبي من التعبير الصريح إلى التعبير المجازي الضمني غير الصريح.
واستحضرت الباحثتان ـ أيضا ـ مجموعة من النماذج التطبيقية التي وردت في مقال الأستاذ عبد الله البهلول، لتخلصا إلى أن مدلولات الرموز تختلف باختلاف سياق ورودها، ومثالهما على ذلك هو الرمز الديني إبليس الذي يختلف في غوايته عن علاقته بأبي نواس. كما أشادت الباحثتان إلى القيمة العلمية لمقال الأستاذ عبد الله البهلول، نظرا لما يتميز به موضوعه من عمق في التحليل، وسلاسة في الأسلوب والتعبير.
الجلسة العلمية الثانية
ترأس هذه الجلسة الدكتور حسن المؤدن من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين في مراكش، وتضمنت خمس مداخلات:
المداخلة الأولى كانت بعنوان: “عبد الله البهلول وبلاغة الصمت” للأستاذ الدكتور عبد القادر حمدي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش. استهل الأستاذ عبد القادر حمدي مداخلته بتحديد المنهج الذي يعتمده الأستاذ عبد الله البهلول في دراسة التراث العربي القديم، فهو ينطلق من النص التراثي ليستجلي دقائقه ويستكشف أسراره، ثم يحلق في الفضاءات العلمية والفلسفية والتاريخية والأدبية والفنية، ليعود إلى النص مرة أخرى ليستكنه غوامضه ويبوح ببعض أسراره. وهو منظور جديد يشترك فيه الباحثون التونسيون المعاصرون.
وتطرق الأستاذ عبد القادر حمدي في السياق نفسه إلى أهمية الصمت في أبحاث الأستاذ عبد الله البهلول الذي انطلق من مؤلفات الجاحظ، وأشار إلى أن الأستاذ عبد الله البهلول لم يفته أن يذكر مصادر الجاحظ التي تحدثت عن بلاغة الصمت، كاعتماد الجاحظ في أبحاثه على نصوص عبد الله بن المقفع. كما أكد الأستاذ عبد القادر حمدي أن الأستاذ عبد الله البهلول مهما ذهب بعيدا في تأويله فإنه يرجع إلى نصوص الجاحظ التي تحمل في طيّاتها تنظيرا لبلاغة الصمت، فكيف يمكن الحكم على أن الصمت بليغ؟ وهو موضوع يجب أن يبحث فيه على أساس أن الصمت هو سياسة في القول يعتمدها القائل حتى يستدرج المخاطب إلى قول ما سُكت عنه. وهكذا فإن الأستاذ عبد الله البهلول يبقى مرجعا لكل من يريد دراسة بلاغة الصمت، لأنه أعاد تكوين النصوص الخام التي تحدث من خلالها الجاحظ عن بلاغة الصمت وبحث فيها.
المداخلة الثانية كانت بعنوان: “نظرات في المشروع النقدي لعبد الله البهلول “، وهي للأستاذ مولاي يوسف الإدريسي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش. وتركزت مداخلة الأستاذ الإدريسي على تتبع مشروع الأستاذ عبد الله البهلول، وبيان الأسس والخصائص التي تسمه، فبعد أن أوضح الأسس النظرية والمنهجية والتطبيقية التي تحدد مفهوم المشروع، أوضح أن المنجز العلمي للأستاذ عبد الله البهلول ينطوي على مواصفات المشروع العلمي الدقيق. لأن الأستاذ عبد الله البهلول يتبنى تصورا خاصا في قراءة التراث الأدبي والنقدي والبلاغي عند العرب، وهو تصور يؤسس من خلاله ـ وعبره ـ لاتجاه نقدي واضح ودقيق، ينطلق من فهم خاص للتراث، ودعوة صريحة إلى كيفية التعامل معه في غناه وتعدده وتفاوت منجزاته…وتباينها أحيانا… كما أن من مميزات مشروعه، طابعه الإنتاجي المستمرة والمتطور، وهو ما يتجلى في تنامي تطور أفكاره وتصوراته واختباره لإجرائيتها ونجاعتها عبر ربط النظرية بالممارسة وتمحيص فرضيات المشروع وأحكامه بالتحليل والتطبيق.
كما بين الأستاذ الإدريسي أن المتابع لكتابات الأستاذ عبد الله البهلول ـ سواء في كتبه ومقالاته وعديد مداخلاته العلمية ـ يلاحظ أنه جعل من التراث الجمالي والفكري عند العرب موضوع انشغاله، فاشتغل على الأدب والنقد والكلام والفلسفة. وبالرغم من كونه ظل متكتما في مقدمات مؤلفاته وصدور مقالاته عن البوح بتصوره لقراءة التراث وموقفه منه ومن طرائق التعامل معه، إلا أن اختياراته المنهجية ونماذجه التحليلية ومفاهيمه الإجرائية ما يشي بذلك التصور ويكشف عن ذلك الموقف.
ثم انتقل الأستاذ الإدريسي إلى الحديث عن المستوى الإجرائي والاختيار الموضوعي للأستاذ عبد الله البهلول، الذي مافتئ يتناول نصوصا جديدة ويبحث في موضوعات غير مطروقة، ويستكشف الوجوه الأخرى التي غفل عنها الباحثون باقتصارهم على وجهة خاصة في دراسة بعض الموضوعات، فيعيد قراءة نتاج ما قراءة مغايرة لما دأب عليه الدارسون السابقون. ونلمس ذلك من نفضه الغبار عن “الوصايا الأدبية” وهي تراث أدبي زاخر ظل مهملا لدى الباحثين والدارسين، ونقف عليه في قراءته المغايرة لديوان الخنساء، التي توسل فيها ببيان المهيمنة الأسلوبية والجمالية في شعرها، وهي مهيمنة صارت معها ظاهرة أسلوبية ميزت شعرها وحققت له أدبيته. كما نتبين ذلك من خلال إعادة قراءته لتراث خطابي مترامي الأطراف بين حقول معرفية واتجاهات فكرية متنوعة، قراءة لا تنتهي إلى بيان قيام ذلك التراث على الحجاج، الذي أصبح الموضوع الأثير لمن لا موضوع له، بل تبرز نوعية ذلك الحجاج وخصائصه الجدلية، وذلك عبر البحث في أسسه ومقوماته في عديد من الأشكال الخطابية عند اليونان والعرب قديما.
وبيّن الأستاذ الإدريسي في نهاية مداخلته أن مشروع الأستاذ عبد الله البهلول يتسم بكثير من “الحذر” أثناء المقاربة والتحليل، وهو حذر نلمسه في لغة عرضه للموضوعات بعيدا عن الوثوقية، إضافة إلى عباراته المتسمة بالكثير من النسبية وبعض من “القلق” المنسجم مع اختياره سلوك مسارات بحثية جديدة، وطرقه مجالات جديدة لم تطرق قبله؛ كما نلمسه في حديثه عن المنهج الذي يختاره.
المداخلة الثالثة كانت بعنوان: “أهمية المستويات اللغوية في الكشف عن وظائف البلاغة ومقاصدها” للدكتور رشيد أعرضي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش. قام الأستاذ رشيد أعرضي في مداخلته باستقراء الأساليب التعبيرية التي اعتمدها الأستاذ عبد الله البهلول في دراسته للأجناس النثرية، مثل: الوصية، والخطبة، والمقامة، والخبر، والرسالة، في كتاب “في بلاغة الخطاب الأدبي، بحث في سياسة القول”، وهي الأساليب التي اصطلح عليه الأستاذ المتدخل المستويات اللغوية.
وحاول الأستاذ رشيد أعرضي من خلال مداخلته الإجابة عن السؤالين الآتيين:
– كيف تعبّر المستويات اللغوية عن وحدة الموضوع؟
– كيف تكشف المستويات اللغوية عن مقاصد القول وسياسته؟
وللإجابة عن هذين السؤالين تتبع الأستاذ رشيد أعرضي الدراسة الأسلوبية العميقة التي أنجزها الأستاذ عبد الله البهلول حول أنموذجين نصين من فني الوصية والخطبة، مركزا على مستويات المعجم، والبلاغة، والتركيب، والإيقاع. ليخلص في الأخير إلى أن المستويات اللغوية التي دخلت في تشكيل المعجم هي نفسها التي شكلت الصور البلاغية والتركيبية في النثر والشعر في الوصية والخطبة.
المداخلة الرابعة بعنوان: “ألف ليلة وليلة مغريات السرد ولذة النص؛ قراءة في مقال “تقنيات الإغراء والتأثير في ألف ليلة وليلة” للدكتور عبد الله البهلول “، وهي من تقديم الدكتور عبد العزيز أيت بها والدكتورة أسماء كويحي: من مختبر الترجمة وتكامل المعارف بمراكش. تحدث الباحثان عبد العزيز أيت باها وأسماء كويحي في بداية مداخلتهما عن أهمية كتاب “ألف ليلة وليلة” ومقال الأستاذ عبد الله بهلول. حيث اعتبرا مقال “تقنيات السرد والإغراء في ألف ليلة وليلة “من المقالات القيمة الجديرة بالقراءة والمدارسة. ففي هذا المقال سعى الأستاذ عبد الله البهلول إلى الكشف عن أهمية السرد في الليالي وموطن الجمالية فيه، لما يحققه من سحر وعجائبية، ارتباطا بعنصري الزمان والمكان، وما يحيل إليه كل منهما من رمزية تهدف إلى شد انتباه المتلقي عبر مختلف العصور، لتتحول هذه الحكايات إلى أسطورة تتناقلها الأجيال.
كما تحدث الباحثان عما جمعه كتاب “ألف ليلة وليلة” بين دفتيه من القصص التراثية والحكايات الشعبية الممتعة، والتي رحلت بخيال أجيال من المتلقين إلى عوالم: الخوف واللذة والشوق والتوقع والمفاجأة. إنها بالفعل عوالم تلبس حلة الغرابة والعجب، فتدفع بالخيال حرا طليقا بعيدا عن العالم المعيش.
وإذا كان الحدث الأساس أو العامل الرئيسي وراء فعل الحكي والتخييل هو حدث واقعي أزلي ، والمتمثل في فعل الخيانة الذي أشعل فتيل شرارة السرد وبؤرة الحكي، وما صاحب هذا من أحداث دموية، سعى صاحبها :الضحية/البطل شهريار، إلى الانتقام لرجولته المجروحة. باعتبار هذا الجزء يمثل الحكاية الإطار، في مقابل مجموعة من الحكايات الضمنية التي تمثل الجزء الثاني من الحكي.
واعتبر الباحثان كتاب “ألف ليلة وليلة” مصدر إلهام ومنبعا للفن وللفكر وجد فيه جمهور القرن الثامن عشر ضالته المنشودة، وهو ما ساعد على ترجمته إلى أكثر من لغة.
وقد تناول الباحثان في الشق الثاني من مداخلتهما تقنيات السرد في “ألف ليلة وليلة” كما حددها الأستاذ عبد الله البهلول وهي:
_تقنية التعليق والإرجاء.
_ تقنية الرمز والإيحاء.
_تقنية المبالغة والاستقصاء.
ولاحظ الباحثان أن مجموع هذه التقنيات هي التي أحكمت بها شهرزاد سلطتها على المتلقي. ذلك أن لكل من هذه التقنيات أهدافا وغايات دقيقة، فالأولى تمتلك الشعور، والثانية تخاطب العقل، والأخيرة تثير الإحساس. وتعتمد هذه التقنيات على جملة من الأدوات الدقيقة للوصول إلى تحقيق غايتها من قبيل الاستقصاء والرمز، والتي لا يمكن الفصل بينها حسب تعبير الأستاذ عبد الله البهلول.
وقد لاحظ الباحثان وجود تقنية رابعة أطلقا عليها تقنية العجائبية، وهي التي تتميز بمجموعة من الخصائص التي غايتها الإمتاع والمؤانسة والتأثير، ثم الإغراء والغرابة وإثارة الدهشة، والجمع بين العناصر الخارقة المتمثلة في وجود عوالم الجن والإنس والملائكة والحيوانات، وكلها عناصر أساسية عمقت الإحساس بالغرابة والدهشة والمفارقة لدى المتلقين.
المداخلة الخامسة بعنوان: “التوظيف الفني – الإيقاعي للمبالغة: قراءة في كتاب: ‘المبالغة بين اللغة والخطاب ديوان الخنساء أنموذجا’ للدكتور عبد الله البهلول”، وهي للباحثين عبد العزيز جابا الله وسعيد قطفي، من “مختبر الترجمة وتكامل المعارف”.
تناول الباحثان في بداية مداخلتهما مفهوم الإيقاع، وأشارا إلى إدراك الأستاذ عبد الله البهلول الدور الفني للإيقاع من خلال ديوان الشاعرة الخنساء. ولتأكيد ما ذهبا إليه ساق الباحثان جملة من الأمثلة من الديوان نفسه، كما حاولا الربط بين صيغ المبالغة ودلالاتها الفنية وذلك من خلال نماذج شعرية مخصوصة.
وختم الباحثان عبد العزيز جابا الله وسعيد قطفي مداخلتهما بتأكيد أن التوظيف الفني لصيغ المبالغة والمشتقات بشكل عام ، كان عاملا أساسيا في إثراء شعر الخنساء وتنوعه ، وبالتالي بقائه محفوظا في الصدور حتى وصل إلينا مكتوبا. وأضاف الباحثان أن وظيفة صيغ المبالغة والعناصر الشعرية الأخرى، من مشتقات وغيرها، لم تكن مقتصرة على الجانب الإيقاعي فقط، بل كانت وسيلة من وسائل تكثير الدلالة في شعر أخت صخر. خصوصا أن المقام هو مقام رثاء كما هو معروف.
المائدة المستديرة
ترأس هذه المائدة العلمية الدكتور محمد أديوان من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط. وكانت البداية بمحاضرة للدكتور عبد الله البهلول وهي بعنوان: “القضايا البلاغية في الردود النقدية: الردود على المثل السائر نموذجا”.
افتتح الأستاذ عبد الله البهلول محاضرته بالإشارة إلى كون كتب الردود حافلة بالأبحاث البلاغية، كما أشار إلى أن مصطلح الردود مازال يحتاج إلى تدقيق علمي، فهو يشمل مجموعة من أنواع القول مثل: المعارضة كما نجدها في الشعر، والنقائض، ومنافرات الكتاب وخصومات الشعراء وغيرها، وذكر أن مسألة الردود من طبيعة الإنسان المحاجج والمجادل بفطرته.
ثم شرع الأستاذ عبد الله البهلول بعد ذلك في حصر الكتب المقصودة بالدراسة وهي “الفلك الدائر على المثل السائر” لابن أبي الحديد، و”نصرة الثائر على المثل السائر” للصفدي، ثم قسم صيغ الردود الواردة في هذه الكتب إلى صيغ مستعملة مثل: قال…. أقول…، وصيغ مفترضة مثل: إن قلتَ …. قلتُ…، كما ذكر أن الردود في هذه الكتب تحكمها بعض الأوصاف، وفي مقدمتها صفة الانتقائية، كما تخضع للتوجيه والإكراه، وتقوم على اقتطاع الملفوظ من سياقه، وهذا ما جعل مؤلفات الردود تنبني على عملية نقل الخطاب من أحادية الصوت إلى تعددية الأصوات.
بعد ذلك طرح الأستاذ عبد الله البهلول جملة من الإشكالات التي يسعى بمعية الحضور إلى الإجابة عنها، ومنها: هل هذه الردود تنتج معرفة علمية أم تصححها أم تعدل بها عن مسارها الأصلي؟ وإلى أي حد تكون هذه الردود موضوعية وليست مغرضة؟
وألمح الأستاذ عبد الله البهلول إلى أن الكتب التي تحظى بالردود هي الكتب التي تثير المتلقي بطبيعة أفكارها الجريئة والثائرة، فيتصدى لها المفكرون والأدباء بالرد، والمسألة الطريفة في هذا الأنموذج تتمثل في كونه يخصص كتابا كاملا للرد عليه.
وأضاف الأستاذ عبد الله البهلول أن الرد في كتاب “الفلك الدائر على المثل السائر” لابن أبي الحديد تحكمه دوافع أساسها ثنائية الإزراء والاستعلاء، حيث ينكر ابن أبي الحديد على ابن الأثير كونه يفتخر بنفسه ويزري على الفضلاء والكتاب السابقين. أما مصطلحات ابن أبي الحديد فتحمل معنى الرغبة في محو الآخر، مثلما يتضح في عنوان الكتاب. والطريف في كتاب ابن أبي الحديد أنه ابتدأ بالاعتراض، وانتقل إلى المعارضة، ثم ختم بالاعتراض، حيث ذم جانب الجدل عند ابن الأثير، وأشاد بجانب الإنشاء عنده، وحاول معارضته وذلك في حل المنظوم الذي يعتبره كنز الكتابة، وأفضل ما في الكتاب. بيد أن ابن أبي الحديد وقع من خلال ردّه في ما عابه على ابن الأثير، كالاستعلاء والاعتداد بالنفس.
وبالنسبة للصفدي في كتابه “نصرة الثائر على المثل السائر”، فقد لاحظ الأستاذ عبد الله البهلول أن الصفدي كان متسامحا مع ابن الأثير، غير أن الجميل في كتابه هو أنه اعتمد مسلك الأدب بدل مسلك الجدل، حيث يتوسل بالنصوص معيارا للنقد الفني، ويستدعي أقوال الشعراء والأدباء المرموقين، واعتمد الذوق في معالجة قضايا النقد والبلاغة، ومن ثم ذم إنشاء ابن الأثير، ورفض ما أقحمه ابن أبي الحديد من نثره في ردوده.
وفي الختام خلص الأستاذ عبد الله البهلول إلى مجموعة من النتائج من أهمها:
- قضايا البلاغة العربية تناولت ضمن الردود النقدية، فهي مجال واعد بنتائج تختلف عما هو مبثوث في كتب البلاغة لأنها تتضمن زوايا نظر مختلفة.
- ثمة دعوة إلى إعادة النظر في البلاغة العربية من جهة الحوارية النقدية: التي تتضمن موضوعا واحدا وآراء مختلفة.
تعقيبات السادة الأساتذة المشاركين في المائدة المستديرة
مداخلة رئيس المائدة المستديرة الدكتور محمد أديوان أوضحت أن اختيار الأستاذ عبد الله البهلول كتاب “المثل السائل” وما أثير حوله من ضجة، يمثل في الحقيقة إثارة كبرى في تاريخ البلاغة العربية، حيث إن هذا الكتاب يشتمل على قضية كبيرة تتمثل في مدى سليقة المتكلم العربي، وذلك بالنظر إلى تأكيد ابن خلدون أن العرب كانوا يتكلمون بالملكة اللسانية. كما أكد الأستاذ محمد أديوان أن ابن الأثير ركز بوجه خاص على مسألة الذوق، واعتبر أن الكلام يُنشئه الذوق ولا شيء غيره، ولذلك جاز لابن خلدون أن يقول إن ما يؤسس الكلام العربي هو الذائقة، وهو ما يقصد بالسليقة أو بالملكة اللسانية.
ووقف الأستاذ محمد أديوان ـ أيضا ـ على بعض النقط الواردة في مداخلة الأستاذ عبد الله البهلول، مثل كون الرد صار نوعا جديدا، وينبغي أن يكون خطاب الرد خطابا بلاغيا يُستأنس به اليوم لإعادة الاعتبار لمفهوم الخلاف في الخطاب البلاغي.
وأضاف أن صياغة هذه الردود تعتمد إما على العقل وأساليب الجدل المستحكم في بعض المجادلين مثل ابن أبي الحديد، أو على الذوق أو الذائقة، وهو الأمر الذي استحكم في كتاب “نصرة الثائر على المثل السائر” للصفدي . وهي مجالات يمكن أن تؤسس مناهج لدراسة البلاغة العربية في إطار هذه الردود وبيان المنسي في هذه البلاغة. كما ثمّن الأستاذ محمد أديوان سؤال الأستاذ عبد الله البهلول المتعلق بمدى إمكانية اعتبار خطاب الردود مجالا لمعرفة بلاغية عربية.
ودعا الأستاذ محمد أديوان الحاضرين إلى ضرورة التفاعل مع هذه الأسئلة المعرفية ذات الطبيعة النظرية والإجرائية، وذلك من أجل سبر أغوارها سواء في تاريخها القديم أو في تاريخها الحديث.
مداخلة الدكتور عبد الجليل الأزدي أشارت إلى أن كتاب “المثل السائر” لم يكتبه صاحبه ابن الأثير كشخص، ولكن هذا الكتاب كُتب باعتباره حصيلة مجموعة من النصوص التي تشكلت ضمن حقل إبستمولوجي مرتبط بشرط تاريخي محدد. ومن الواجب إعادة بناء البنية الإيديولوجية لحقبة هذه النصوص للوصول إلى الموقع الحقيقي التاريخي لابن الأثير.
كما أكد أنه مهما كان الرد وكانت طبيعته وكان المجال المعرفي الذي ينتمي إليه، فلا يمكن أن نصنفه كجنس أدبي قائم الذات، له قواعده وأصوله. إن الرد يندرج ضمن جنس عام من الخطابات هذا الجنس العام هو الخطاب السجالي، ويستحيل أن ينتج الخطاب السجالي معرفة علمية لأنه خطاب انفعالي.
مداخلة الدكتور عبد الحميد زاهيد ابتدأت بملاحظة حول بلاغة الصمت، بيّن من خلالها الأستاذ زهيد أنه من الصعب على متخصص في الأصوات أن يقبل أن للصمت بلاغة. ولكن بعيدا عن المختبرات، وارتماء في أحضان الخيال والمخيال يمكن قبول امتلاك الصمت لبلاغة خاصة.
وأضاف الأستاذ زاهيد، أنه غالبا ما نقرأ في كتب بلاغتنا أن البلاغة هي للكلام، وأن للبلاغة علوما. وقد ذكَّره هذا المركب الإضافي (بلاغة الصمت) بما ورد عند عبد القاهر الجرجاني عندما تحدث عن الفصاحة والبلاغة، فكان كل من قبله يصف المعنى بالبليغ واللفظ بالفصيح، إلى أن جاء الجرجاني وقال ولما لا؟ من حقنا أن نصف المعنى أيضا بالفصيح فاجتمعت الفصاحة للفظ وللمعنى كما اجتمعت البلاغة في الكلام والصمت. وقدم الأستاذ زاهيد سؤالا يتعلق بإمكانية اعتبار فكرة بلاغة الصمت منطلق مشروع كبير جدا نكاد نسمه بعلم بلاغة الصمت على غرار علم بلاغة الكلام، علما أن لكل ظاهرة وجودية آليات تحركها وتسمح بالتنظير لها. فهل ترون سبلا لتأسيس هذا العلم ووضع علم معانيه وعلم بيانه؟ وهل يمكن أن نستخلص من علم المعاني ظواهر للصمت؟ منها مثلا الإضمار والحذف؟ ثم هل نستطيع أن نتحدث عن المقام في الصمت؟
ردّ الدكتور عبد الله البهلول على المداخلات
قال الأستاذ عبد الله البهلول: إن الإنسان ما لم يتكلم لا نعرف ما يجري في خاطره، والصمت عندما عُرّف قيل: هو عملية تلفظية غائبة كان يمكن أن تتم ولكنها لم تتم. كما أوضح أنه يجب أن نحاول إيجاد معايير منهجية حتى نفهم بلاغة الصمت.
وألمح الأستاذ عبد الله البهلول كذلك إلى أن الصمت يدرس في ثنايا الكلام. وبالعودة إلى محاضرته الافتتاحية، نبه إلى أنه لم يقدم شواهد كثيرة حتى يُعرف هل هذه الردود تصحح المعرفة أم هي سجالية، وقدم بعض الشواهد الداعمة لموقفه.
وأشار الأستاذ عبد الله البهلول إلى نقطة مهمة أثيرت في الكتب التي تحدث عنها وهي مسألة “حل المنظوم”، ومن المعلوم أن هذه القضية لم تكن من القضايا الجوهرية في البلاغة العربية، وخاصة في القرن الهجري الثاني، أما في القرن الهجري السابع فقد أصبحت عملية حل المنظوم عنوان الإبداع وكنز الكتابة. وأضاف الأستاذ عبد الله البهلول أنه قام باستقراء تاريخي فتبين له أن الجاحظ هو أول من استعمل المصطلح وأثاره، فتحدث عن المنثور المبتدأ والمنثور المحول من موزون الشعر، وكان ذلك في سياق حديثه عن المفاضلة بين الشعر والنثر وبين الشعر الذي يقتصر فضله على العرب وبين النثر الذي يحمل الفلسفة اليونانية. وأضاف الأستاذ البهلول أنه بعد الجاحظ نجد خطوة ثانية مع الثعالبي الذي خلّص ظاهرة “حل المنظوم” من مبحث السرقات الشعرية وجعلها ضربا مخصوصا وأنشأ الكتابة في أبواب. ثم نجد العسكري في كتاب “الصناعتين” يقدم نصا وجيزا في الفصل السادس عن حسن الأخذ وحل المنظوم، فضبط طريقة حل الشعر وتمثل فضله، كما أورد مقتطفات تدل على أن عملية حل المنظوم هي جوهر البلاغة. أما في القرن الهجري السابع فقد أصبحت الظاهرة مع ابن الأثير في مرتبة عليا سمحت لها بالانتقال من مستوى الاستبعاد إلى مستوى الاعتماد، وذلك بحكم تغيّر مفهوم الأدب وصناعته.
وأضاف الأستاذ عبد الله البهلول أن في الثقافة العربية يوجد مسلكان يتنازعان الريادة، مسلك المتكلمين والمتجادلين ومسلك الأدباء، فمالت العملية النقدية حينا نحو الجدل والمنطق ومالت حينا آخر نحو الأدب، وكان النص الأدبي والنقدي الذي أمكن له البقاء واستثارة الذائقة هو الذي لم يسلك مسلك الجدل.
وفي الأخير، جدد الأستاذ عبد الله البهلول شكره لمنظمي هذا اليوم الدراسي الاحتفائي، على حسن الترحاب وكرم الضيافة. وسُلّمت له ـ بعد ذلك ـ درع تكريمية من “مختبر الترجمة وتكامل المعارف”، مع الإعلان عن اختتام أشغال هذا اليوم الدراسي العلمي الذي تكلل بكامل النجاح والتوفيق.
قراءة في “المشروع البلاغي والنقدي” للأكاديمي الدكتور عبد الله البهلول
بسم الله الرحمن الرحيم
ينظم
مختبر الترجمة وتكامل المعارف
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة القاضي عياض – مراكش
يوما دراسيا احتفاءً بالدكتور عبد الله البهلول من جامعة القيروان – الجمهورية التونسية
في موضوع:
“قراءة في المشروع البلاغي والنقدي للأكاديمي الدكتور عبد الله البهلول”
يوم 05 مارس 2015 برحاب كلية الآدابـ- مراكش.
برزت في العصر الحديث مجموعة من التصورات النقدية والبلاغية الجديدة التي تهدف إلى التجديد في البلاغة العربية وتخليصها من الجمود الذي وسمها في عصورها المتأخرة.
وفي هذا الإطار، يندرج المشروع النقدي والبلاغي للدكتور عبد الله البهلول، الذي يرى أن عناية البلاغيين المتأخرين بأساليب التعبير تجميلا وتنميقا، وأن تعاظم شأن الصور والمجازات باعتبارها هدفا في ذواتها، هو الذي أفضى بالبلاغة العربية إلى التركيز على بلاغة العبارة، بدلا من التركيز على النص والخطاب؛ مما يؤدي إلى ضياع المقصد الأساس من البلاغة الذي هو الإبلاغ والإقناع والتأثير.
ومن هذا المنطلق، سعى الدكتور عبد الله البهلول إلى ربط البلاغة بالخطاب، كما سعى إلى إعادة قراءة النصوص العربية القديمة التي تتضمن وعيا بالعلاقة الجدلية بين البلاغة والإقناع، فالقول البليغ هو القول المقنع، والقول المقنع هو القول البليغ.
إن مقاربة الدكتور عبد الله البهلول تهدف إلى تطوير الممارسة البلاغية والنقدية العربية استنادا في ذلك إلى معرفة عميقة بالدرس اللغوي والبلاغي القديم، واستعانة بما وصلت إليه الدراسات اللسانية والنقدية والأدبية والبلاغية الحديثة من آليات ومناهج لتحليل الخطاب الأدبي، وبالاستفادة من مجالات معرفية أخرى. وقد جاءت مقاربته مبثوثة في مجموعة من المؤلفات والمقالات نذكر منها:
– في بلاغة الخطاب الأدبي: بحث في سياسة القول
– المبالغة بين اللغة والخطاب: ديوان الخنساء أنموذجا
– الوصايا الأدبية إلى القرن الرابع هجريا: مقاربة أسلوبية حجاجية
– الحجاج الجدلي: خصائصه الفنية وتشكلاته الأجناسية في نماذج من التراث اليوناني والعربي
– المتكلم واستراتيجية السرد في أخلاق الوزيرين للتوحيدي
– من طرائق الاستدراج في مؤلفات الجاحظ
– استراتيجيات السكوت والإسكات في الرسائل المتبادلة بين أبي العلاء المعري وداعي الدعاة الفاطمي
وقد وجد مختبر الترجمة وتكامل المعارف بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض – مراكش في هذا المشروع مادة غنية تغري باستضافة صاحبه، لما تتميز به أبحاثه من رصانة وجدة، ولما يتميز به صاحب المشروع من علم مكين، وأخلاق عالية، ومن ثم جاءت هذه الاستضافة تحت عنوان: “قراءة في المشروع البلاغي والنقدي للأكاديمي الدكتور عبد الله البهلول” تعريفا وتكريما واحتفاء بجهود ضيفنا الجليل وبمشروعه البلاغي، وفرصة لالتقاء صفوة من الأساتذة والباحثين الأكاديميين المتخصصين في البلاغة العربية والنقد القديم والأسلوبية وتحليل الخطاب… والتباحث في القضايا والإشكالات التي يطرحها هذا المشروع.