المؤتمر الدولي: إشكال العلاقة بين الحوار والأخلاق في الفكر المعاصر مشروع الفيلسوف طه عبد الرحمن نموذجا 2016

برنامج المؤتمر الدولي التكريمي الثالث للفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن بالجديدة 2016

 

تقرير المؤتمر الدولي لتكريمي حول موضوع: إشكال العلاقة بين الحوار والأخلاق في الفكر المعاصر مشروع الفيلسوف طه عبد الرحمن نموذجا

 بسم الله الرحمن الرحيم

نظم مختبر الترجمة والتواصل والآداب (من جامعة شعيب الدكالي)، بتعاون مع مختبر الترجمة وتكامل المعارف التابع (من جامعة القاضي عياض)، وفريق البحث في التعليم والترجمة (من جامعة ابن زهر)، المؤتمرَ الدولي التكريمي الثالث حول موضوع: “إشكال العلاقة بين الحوار والأخلاق في الفكر المعاصر”؛ مشروع الفيلسوف طه عبد الرحمن نموذجا”، وذلك يومي 3 و4 من مايو 2016، برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مدينة الجديدة.

 

الجلسة الافتتاحية

انطلقت الجلسة الافتتاحية على الساعة التاسعة صباحا بالمدرسة الوطنية للإدارة والتسيير، برئاسة السيد عميد كلية الآداب بالجديدة، حيث كانت البداية بآيات بَيِّنات من الذكر الحكيم.

تناول الكلمة السيد رئيس جامعة شعيب الدكالي، الذي اعتبر حضورَ المحتفى به الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمان عنصرا إيجابيا يزيد من قيمة هذا الملتقى العلمي الكبير. ثم تناول الكلمة السيد رئيس المجلس العلمي لمدينة الجديدة الذي رحب هو الآخرـ بالحضور، شاكرا للجنة المنظمة جهدها، مذكرا في الوقت نفسه بالذكريات التي كانت له مع الأستاذ طه عبد الرحمن.

بعد ذلك تناول الكلمة السيد رئيس المجلس العلمي لسيدي بنور الذي توقف عند فكر طه عبد الرحمن؛ مشيدا بالتكوين الموسوعي لهذا العلم الشامخ من أعلام المغرب، مفصلا القول فيما يتميز به الأستاذ طه عبد الرحمان من تعليم الطلبة طرق البحث العلمي، ومذكرا الحضور ببعض المحطات العلمية للفيلسوف طه عبد الرحمن.

وذكّر السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة في كلمته الحضور بجوانب من مسيرة الأستاذ طه عبد الرحمن العلمية. وتوقف عند تدريسه مادة المنطق في كلية الآداب بمدينة الرباط. ثم تناول الكلمة الأستاذ الدكتور عبد الحميد زاهيد مدير مختبر الترجمة وتكامل المعارف التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش، وأهم ما ميز كلمته هو روحها الإبداعية والشعرية المؤثرة والتي تفاعل معها الجمهور بالتصفيق بين الفينة والأخرى.

وكان مسك ختام هذه الجلسة الافتتاحية كلمة الأستاذ الدكتور يحيى بنخدة وكلمة الأستاذ الدكتور أحمد البايبي الذي ذكر الحضور باستضافة مدينة الرشيدية المؤتمر الدولي الرابع في السنة المقبلة إن شاء الله.

الجلسة العلمية الأولى

بعد الجلسة الافتتاحية، انعقدت جلسة علمية أولى بمحاضرة للفيلسوف طه عبد الرحمن عنوانها: “الممارسة الحوارية بين المسؤولية والأمانة“. وقد ترأس هذه الجلسة الأستاذ الدكتور محمد الديباجي من جامعتي شعيب الدكالي ومحمد الخامس، حيث أشار في البداية إلى علاقة الصداقة والزمالة التي تربطه بطه عبد الرحمن وإلى مسارهما العلمي. وقد خص الأستاذ طه عبد الرحمان هذه المحاضرة بمناقشة بعض اجتهادات أحد رموز فلسفة الأخلاق في المجال التداولي الغربي، وهو الفيلسوف الفرنسي (والليتواني والأصل) إيمانويل ليفيناس.

افتتح طه عبد الرحمن محاضرته بتأكيد أن الممارسة الحوارية ليست مجرد صورة من صور الكلام، وإنما هي الأصل في وجوده، وقد خصّ الدخول في هذه الممارسة باسم مشتق من المادة اللغوية نفسها وهو “المساءلة”، باعتبارها الحوار الذي تتحدد فيه مسؤولية المحاور، مستعبداً التوقف عند الدلالة السياسية للمفهوم، والذي يواجه فيه المسؤول أسئلة الممثلين للشعب، مفضلاً في مقابل ذلك التوقف عند الحوار الديني الذي تلقى فيه الإنسان سؤال الإله قبل أن يتلقى سؤال الإنسان، تأسيساً على مصدرين اثنين: أحدهما المصدر التوراتي (من سفر التكوين، 4)، والآخر المصدر القرآني (الأعراف، 172 و173).

وقد بين الفيلسوف طه أن حديثه عرضا ونقدا سيخص أحد رموز فلسفة الأخلاق في المجال التداولي الغربي، وهو الفيلسوف إيمانويل ليفيناس، وتحديدا ما جاء في كتابيه المشهورين: “الوجود الكلي والآخر اللامتناهي”، و”مغايرة الوجود”. وأكد طه عبد الرحمان أن ما خوّل له أن يُسمي المسائلة بـ”المواجهة”، وحَدُّها أنها عبارة عن المساءلة التي يتساءل فيها الإنسان عن أداء واجبه، أما الإحالة على المصدر القرآني، فتصب في الحديث عن “المواثقة”، وهي عبارة عن المساءلة التي يُسأل فيها الإنسان عن الميثاق الذي أُخِذ منه. ويترتب عن ذلك أن التعامل مع الأصل الديني للمساءلة يختلف باختلاف هاتين الصورتين، فالتعامل في سياق المواجهة يتأسّس على التنكر لمقتضيات هذا الأصل الديني، وهذا ما اصطلح عليه طه عبدالرحمن بـ”التغييب”، بينما يقوم التعامل مع هذا الأصل الديني في سياق المواثقة على تذكر الأصل الديني، وهو ما اصطلح عليه بـ”التشهيد”.

وتفرعت المحاضرة بعد ذلك إلى محورين اثنين: خُص الأول بعرض نظرية “ليفيناس” في “حوار المواجهة”، وأُفْرِد الثاني لمناقشة تلك النظرية في ضوء النظرية الائتمانية كما بين أسسها طه عبد الرحمان في كتبه الثلاثة: “روح الدين” و”بؤس الدهرانية” و”شرود ما بعد الدهرانية”. وبناء على تعريف “ليفيناس” للحوار يؤسس نظريته في الأخلاق، متأثراً بواقعة “المحرقة النازية”، وخلاصته أن الأصل في الأخلاق هو الآخر [أو “الغيرية” بتعبير طه عبد الرحمان]، وليس طلب الكمال أو طلب الانسجام، أو مجاهدة الأهواء كما هو الشأن في نظريات الأخلاق السابقة. والنتيجة أن علم الأخلاق عند “ليفيناس” ينزل منزلة الفلسفة الأولى، الشيء الذي استدعى من طه عبد الرحمن مزيدا من شرح نظرية هذا الفيلسوف ونقدها.

أكد طه عبد الرحمن في المحور الأول أن مسؤولية المواجهة لدى “ليفيناس” تدل على المسؤولية التي يُطالب فيها السائلُ المسؤولَ بإجابتين: إحداهما أن يجيب عن سؤاله، والثانية أن يجيب عن السائل؛ ليُطلق على هذه المسؤولية باسم “مسؤولية الجواب”، أو مفهوم “الجوابية”. وهنا توقف طه عبد الرحمان عند مجموعة من المفاهيم المرتبطة باجتهادات ليفيناس، مشيرا إلى أن همه في هذا العرض هو بسط بعض معالم أشكال التغييب عنده، باعتبار التغييب عند الفيلسوف طه عبد الرحمان هو مُمارسة تنكّرية تقوم بإضفاء الكمالات الإلهية التي لا تُبصرها العيون ولا تحيط بها العقول على ذات الإنسان، رفعاً لرتبته إلى رتبة الآلهة.

واعتبر طه عبد الرحمن أن نظرية المواجهة عند ليفيناس اتخذت لوناً متميزاً من ألوان الممارسة التغييبية في نطاق الحوار، وفي مقدمتها تغييب العلاقة التواجهية، مشيراً في هذا السياق إلى أن النعوت التي نسبها ليفيناس إلى العلاقة التواجهية بين الأنا والآخر مأخوذة من النعوت التي توصف بها العلاقة الخطابية بين الإنسان والإله. بل إن ليفيناس- كما يرى طه عبد الرحمان- تجاوز ذلك فأضفى على الأنا النعوت التي يُنعَت بها الإنسان في علاقته بربه، ناقلاً إلى التعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان ما يجب في حق تعامل الإنسان مع خالقه. ومن هذه النعوت: التكليف والامتثال والمقهورية والمملوكية. إضافة إلى ذلك قام ليفيناس بتغييب آخر، وهو إضافة بعض الأوصاف الخاصة بالإنسان إلى الإله، من ذلك أنه نسَبَ إلى الإله “الافتقار” و”الضعف” و”الغربة”، حتى يَرُدَّ العلاقة بالإله إلى العلاقة بالإنسان الآخر. وقد أنهى طه عبد الرحمان الحديث في هذا المحور ببيان بعض معالم التغييب الذي مارسه ليفيناس في مستوى اللغة، والذي شمل ثلاث مراتب هي: الذات، والصفات، والأفعال.

أما المحور الثاني من المحاضرة فقد تحدث فيه طه عبد الرحمان عن أركان النظرية الائتمانية للحوار؛ وهي أربعة: الميثاق، والأمانة، والشهادة، والمخالقة. وقد بيّن سند هذه الأركان جميعاً في مُسَلمة أولى هي أن المواثقة تختص ببُعدين متلازمين ومتداخلين، وهما الامتداد والارتفاع؛ بُعْدُ الامتداد يتعلق فيه حوار المتواثقين بالشؤون المادية أو المعنوية لهذا العالم، وبُعْدُ الارتفاع يتطلب فيه سيرُ الحوار التوجيه والتقويم تَطَلُّبَ الإسراء للدلالة والهداية، ومن ثمة لزم أن يتأسس في كل واحد من أركانها البعدُ الامتدادي (الملكي) على البعد الارتفاعي (الملكوتي).

– رُكْن الميثاق: اعتبر طه عبد الرحمن أن العلاقة الحوارية بين المتواثقين مؤسَّسَة أولا على الميثاق الأول الذي أُخِذَ منه في حوار مشهود، يوم أشهد الخالق سبحانه بني آدم مخاطباً إياهم، كما في الآية {ألست بربكم، قالوا بلى..}[الأعراف، 172]. وقد سَطّر أهم خصائص تلك العلاقة في نقاط ثلاث؛ وهي أنها أولا تتسع لكل الرتب، وتتسع ثانيا لكل الكائنات، وتقوم ثالثا على الثقة المتبادَلة بين المتواثقين.

رُكْن الأمانة: أكد طه عبد الرحمان أن أساسه الملكوتي الثاني كان مُسطراً في آية المسؤولية {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض}[الأحزاب:72]، محددا العلاقة الحوارية بين المتواثقين بالخصائص الائتمانية الثلاث الآتية: خاصية العلاقة الائتمانية من الجانبين مهما كان الاختلاف في الرتبة؛ وخاصية الايداعية غير الامتلاكية؛ وخاصية العلاقة الرروحية بقدر ما هي عقلية. وأضاف أن هناك خصيصة في مضامين الخاصية الائتمانية الثانية، تكمن في أن الأصل في الأشياء- أيا كانت- هو الإيداع وليس الامتلاك.

رُكْن الشهادة: وهو ركن يستند على أساس ملكوتي هو الشاهدية الإلهية. وعليه، تتحدد العلاقة الحوارية بين المتواثقين بالخصائص الشهادية الأربع الآتية: خاصية العلاقة البصرية بقدر ما هي علاقة قولية؛ وخاصية علاقة بصيرة بقدر ما هي علاقة بصَر؛ وخاصية علاقة شهادة بقدر ما هي علاقة مشاهدة؛ ثم أخيراً خاصية علاقة دخول نظر الشاهد الأعلى.

رُكْن المخالفة: وأساسه الملكوتي هو الأسماء الحسنى، وتتحدّد العلاقة الحوارية بين المتواثقين بالخصائص التخالقية الأربع الآتية: خاصية التعاون على التخلق؛ وخاصية التعاون على المسؤولية؛ وخاصية التعاون على التجمل؛ وأخيراً خاصية التعاون على الرحمة. وانتهى طه عبد الرحمان من هذا الركن إلى أن الفضاء الحواري الذي يتأسس على الشاهدية الإلهية هو فضاء رحموتي بامتياز.

وختم الفيلسوف طه عبد الرحمان محاضرته بخلاصة مفادها أن النظرية الحوارية لأخلاق المسؤولية والنظرية الحوارية لأخلاق الأمانة نظريتان متباينتان بالرغم من كونهما تصلان بين العالمين الملكي والملكوتي؛ ذلك أن الأولى تسلك طريق التغييب، مُسْنِدَة الكمالات الإلهية إلى الإنسان كأنه من عالم الغيب، بينما تسلك الثانية طريق التشهيد، مُخْرِجَة المعاني الروحية المبثوثة في الفطرة إلى عالم الشهادة، ومن ثمة تكون النظريتان متقابلين.

الجلسة العلمية الثانية

ترأس هذه الجلسة الدكتور عبد الجليل هنوش، من جامعة القاضي عياض بمراكش. وقد تضمنت خمس مداخلات:

المداخلة الأولى كانت بعنوان: “الاعتراف وقيم الحوار في المجال التداولي الإسلامي”، للأستاذ الدكتور نذير حابل (من جامعة تلمسان بالجزائر). حاول الدكتور حابل التركيز على ما يتميز به فكر طه عبد الرحمن بالخصوص من كونية؛ كونية الحوار وكونية الأخلاق، مستخلصا أن مشروع الفيلسوف طه عبد الرحمن أخلاقي بالدرجة الأولى، لأنه يسعى إلى بناء فلسفة عربية إسلامية لا تتعارض مع الخصوصية.

المداخلة الثانية كانت بعنوان: “الاعتراف بالآخر الديني ومستلزماته الأخلاقية والدينية”، للأستاذ الدكتور محمد إكيج (من المعهد العالي للقضاء بالمغرب)؛حيث تناول مفهوم “الأخر” من وجهة نظر دينية، معتبرا أن العودة إلى الأصل تتيح استخراج المستلزمات الأخلاقية التي بها يكون الإنسان إنسانا.

المداخلة الثالثة كانت بعنوان: “الحوار الإسلامي- الإسلامي: الواقع والتحديات، ومبدأ الاعتراف بالآخر”، للأستاذ الدكتور  سليمان بن سالم بن ناصر الحسيني (من جامعة نَزوى بسلطنة عمان)، الذي ركز على نبذ الفرقة والتمذهب وعدم التكفير الذي دعا إليه الإسلام.

وأما المداخلة الرابعة فكانت بعنوان: “الأخلاق الكاملة وتصوراتها”، للأستاذة الدكتورة سعاد كعب (من كلية جامعة محمد الخامس بالرباط)؛ حيث تحدثت- أولا- عن الأخلاق في الفكر الغربي ثم في التراث العربي الإسلامي، مستخلصة أن القيم الأخلاقية تتحقق بالدين جلبا للمصلحة الإنسانية، ومعتبرة أن الفقهاء فرقوا بين العقل والشرع. وأضافت الأستاذة أن الاعتقاد في مطلقية العقل كان سببا في استعباد الإنسان.

الجلسة العلمية الثالثة

ترأس هذه الجلسة الدكتور عباس أرحيلة (من جامعة القاضي عياض بمراكش). وقد تضمنت أربع مداخلات:

المداخلة الأولى كانت بعنوان: “التجربة الصوفية وعقلانية التأييد؛ رؤية في المشروع الطهائي”، للأستاذ الدكتور طارق العلمي (من الرابطة المحمدية للعلماء). وقد بدأ الأستاذ المتدخل بسؤال إشكالي حول مدى توفر الأسباب العقلانية في الصوفية، ليؤكد أن مجموعة من الآراء تذهب إلى نفي هذا الأمر. بيد أنه فند هذه المزاعم مستدلا بمجموعة من الآراء التي بثها الفيلسوف المجدد طه عبد الرحمن في مؤلفاته، والتي نبهت إلى مجموعة من المغالطات في فهم التجربة الصوفية. وقد خلص إلى أن التجربة الصوفية تجربة عقلانية وفعالة، من مبادئها: اقتران العلم بالعمل، واقتران المعرفة العلمية بالوجود، ومبدأ السلامة من الزيادة.

أما المداخلة الثانية فكانت بعنوان: “حدود العقل في منظومة الأخلاق في فكر الدكتور طه عبد الرحمن”، للأستاذة الدكتورة سلوى محمد نصره (من جامعة عين شمس بمصر)؛ حيث أكدت أن معالجة الفيلسوف طه عبد الرحمان لمفهوم العقل تختلف عن المقاربات السابقة، لأنه ربطه بالغايات والمقاصد، وربط القول بالفعل. كما اعتبرت أن مشروعه يتميز بمراعاة الخصوصية العربية الإسلامية، مما جعله أكثر إجرائية وعلمية. إن حديث الفيلسوف طه عبد الرحمان عن العقل من منظور الدارسة يرتكز بالأساس على الأخلاق، لأنه يعتبر “التخلق هو الأساس الذي يميز الإنسان عن غيره”، وقد دفعه هذا الاقتناع إلى انتقاد الدعوات العلمانية الرامية إلى فصل العقل عن الدين.

أما المداخلة الثالثة فكانت بعنوان: “الحوار خلقا للفكر؛ العقلانية الحوارية في فكر طه عبد الرحمن”، للأستاذ الدكتور عبد الملك بومنجل (من بجامعة محمد لمين دباغين سطيف2 بالجزائر). ذكر الأستاذ في مقدمة بحثه سبب اختياره هذا الموضوع، وحدد المنهج الذي ارتضاه الفيلسوف طه عبد الرحمان لمؤلفاته، وهو منهج ينبني أساسا على العقل والخلق والحوار. وقد توخى الأستاذ من بحثه- كذلك- الحث على ربط الفلسفة بالقيمة العلمية والعملية، وذلك بإلباس العقلانية ما يليق بها من الأخلاق والحوار. ولكي تكون المداخلة أكثر إجرائية حدد المتدخل محاورها في مقدمة تتناول حاجة الفلسفة إلى عقلانية أخلاقية حوارية. تحدث في المحور الأول عن طه عبد الرحمن مُنَظِّرا للحوار، وتكلم في المحور الثاني عن العقلانية الحوارية في مؤلفات طه عبد الرحمن. وقد اعتبر أن طه عبد الرحمن أكثرُ الباحثين المعاصرين تنظيرا للحوار، فأجمل مبادئَ نظريته الحوارية في: الأصل في الإنسان الجمع لا المفرد والأصل في الكلام الحوار، والحوار حقوق وواجبات، والكلام خطاب، والخطاب تعامل، والتعامل خُلُق. كما أشار إلى ثلاثة أركان للحوار لدى طه عبد الرحمان؛ هي الركن اللغوي والركن الاستدلالي والركن الأخلاقي. وقد أثنى الدكتور عبد الملك على اللغة القوية والمتينة للمفكر طه عبد الرحمان، وأكد استفادته الشيء الكثير من كتاباته.

المداخلة الرابعة فكانت بعنوان: “أخلاق الحوار وحوار الأخلاق: دراسة في المفهوم عند طه عبد الرحمن”، للأستاذ الدكتور أحمد بزوي (من جامعة شعيب الدكالي في الجديدة)؛ حيث اعتبر أن فكر الفيلسوف طه عبد الرحمان لا يزال في طور النضج، يحتاج إلى من يتممه، وركز اهتمامه في مداخلته على تحديد خصائص فكر المفكر المبدع والمجدد طه عبد الرحمان، ومن بينها: قدرته الفريدة على إبداع المفاهيم الجديدة، وقوة لغته الإبداعية. ومن خصائص هذا الفكر أيضا جرأة صاحبه على نقد الذات ونقد الآخر، والاعتزاز بالانتماء إلى الحضارة الإسلامية، بالإضافة إلى تميز مشروعه العلمي بالتحرر والاستقلال، والدعوة إلى النظرة التكاملية للعلوم، وعدم الإسراف في تقديس التراث لأن التقديس المفرط يكرس اجترار آراء السابقين.كما تحدث الأستاذ المتدخل عن مسائل ذات صلة بمنهج الدكتور طه عبد الرحمان في مؤلفاته، ومن ذلك اكتشافه آليات جديدة، من قبيل ربط التفلسف بالمنطق، والاعتماد على القراءة النقدية البناءة، والجمع بين التراث العربي والأجنبي على نحو يتيح الإبداع بآليات منقولة من تراثنا.

المداخلة العلمية الخامسة كانت بعنوان: “الإبداع الترجمي عند فيلسوف اللغة طه عبد الرحمن” للأستاذ الدكتور أحمد البايبي (من جامعة مولاي إسماعيل بالرشيدية)؛ الذي افتتح مداخلته بالتعبير عن تشرفه بالحديث عن فيلسوف اللغة طه عبد الرحمن، داعيا معاشر اللغويين إلى استرجاع صفة فيلسوف اللغة، ثم بسط المحاور الثلاثة لمداخلته، والتي أجملها في: الترجمة التأصيلية؛ الترجمة والإبداع الموصول؛ الإبداع الترجمي والقول الثقيل.

رأى الدكتور البايبي أن وجوه الإبداع في الفعل الترجمي عند طه عبد الرحمن مبثوث في ثنايا كتبه ومؤلفاته ومحاضراته الكثيرة، وقد قسم طه عبد الرحمن الترجمة إلى ثلاثة أنواع فريدة وهي:

–        الترجمة التحصيلية: وهي التي تقابل- حسب البايبي- في الأدبيات الترجمية الترجمةَ الحرفية، أو “النقل” بتعبير سالم يفوت”. وفي هذا النوع من الترجمة يقدم المترجم الاعتبارات اللغوية على الاعتبارات المعرفية، فينشغل بالمطابقة بين اللغتين المنقول منها والمنقول إليها، من حيث المعجم لتحقيق التناظر التصوري، أو من حيث التراكيب لتحقيق التناظر التصديقي. غير أن هذا النوع- حسب البايبي- يؤدي إلى سوء الفهم والتفهيم وإلى غربة المفاهيم المترجمة في بنية اللغة المنقول إليها.

–        الترجمة التوصيلية: ويسميها سالم يافوت بـ”التقريية”. وهي التي يسعى فيها المترجم إلى إيجاد المعاني التي تقرب النص المنقول إلى المنقول إليها، فيلجأ المترجم إلى إجراء التغييرات الشكلية بوسائل مختلفة؛ كالتحرير والتكييف والاقتباس، وذلك من أجل أن يتجنب المخالفة الصريحة لأصول لغة المتلقي، ولهذا يوصف هذا النوع من الترجمة بالترجمة غير المباشرة.

–        الترجمة التأصيلية: ويسميها سالم يافوت بـ”التأسيسية”. ويتطلب هذا النوع من الترجمة، إلى جانب الكفاءة اللغوية، العلمَ بالمقاصد والإبداعَ ووضوحَ الأهداف، بحيث يستطيع التفاعل مع النص المترجم والتحاور معه في الإطار التواصلي للمتلقي، مما يؤدي إلى إدماج النص الأصلي في البيئة المعرفية واللغوية للثقافة المتلقية لتكون قادرة على الإنتاج والإبداع الفكري. وبالتالي فإن الترجمة ليست نقلية ولا تقريبية بل هي تأصيلية، غايتها تأصيل الثقافة بكل مضامينها.

وبعد تفصيل البايبي أنواع الترجمة، انتقل إلى الحديث عن الكيفية التي تكون بها الترجمة إبداعا عند الفيلسوف طه عبد الرحمن، الذي انتقد كل مسلمات الترجمة العربية- التي انطلقت مع رفاعة الطهطاوي في عهد علي محمد باشا- لأنها تعد في نظره غير صالحة لهذا الزمان. فالترجمة- في نظر طه عبد الرحمان- تحتاج  إلى الاستقلالية لا إلى التبعية. وفي ذلك يطرح طه عبد الرحمان السؤال الآتي: كيف يمكن للترجمة العربية أن تستقل عن النصوص الأصلية استقلالا مسؤولا يمهد لدخول الفكر الإسلامي العربي في طور الإبداع؟ وللجواب على هذا السؤال احتاج الفيلسوف طه عبد الرحمان- حسب قول الأستاذ المتدخل- إلى نقد مفهوم الترجمة كليا، ودعوة المترجم إلى التأثير بترجمته في المتلقي بالدرجة نفسها التي يؤثر بها المؤلفون في متلقيهم. لذلك وجب على الترجمة أن تكون إبداعية بمعنى أن تكون استكشافية لا استنساخية، كما يجب على الترجمة أن تكشف للمتلقي طرق إبداع نظير للنص الأصلي.

أما في المحور الأخير فقد بين الدكتور البايبي أن الترجمة عند طه عبد الرحمن مبنية على هدف، وأن أي ترجمة مهما كانت خلفياتها لا بد لها من هدف معين، والهدف الرئيس من ترجمة القرآن الكريم باعتباره قولا ثقيلا، هو أن نزيد المتلقي ما يكسبه قدرة على التدين؛ فإن شاء مارس وإن شاء قاطع. فمترجم القرآن لا بد أن يتوفر فيه شرط الإيمان ليكون قادرا على الوصول إلى هدفه؛ وهو إكساب المتلقي القدرة على التدين.

الجلسة العلمية الرابعة

المداخلة العلمية الأولى كانت بعنوان: “الحوار أفقا للعقل في القرآن الكريم”، للأستاذ الدكتور المقرئ أبو زيد (من جامعة الحسن الثاني في المغرب). بدأ الأستاذ المتدخل بشكر الحضور المتابع لأشغال المؤتمر، كما أثنى على فيلسوف الأمة الدكتور طه عبد الرحمان، وذلك من خلال إبراز مدى تميزه العلمي وطابعه الموسوعي، وتفرده في إبداع مفهوم الحوار وتأسيسه، لأنه أداة أساسية لتدبير الخلاف بين الناس بمختلف معتقداتهم وطوائفهم.

لقد طرح الأستاذ المتدخل أسئلة حول ماهية الحوار وأسسه في القرآن الكريم، ليخلص إلى ضرورة الاستناد إلى القرآن في تأسيس الحوار أفقا للفكر، وبرهن على علاقة ذلك بلفظ القول وتكراره مع ما يشتق منه في القرآن، وكذا دلالاته ومؤشراته في القرآن الكريم، وهو ما يستدعي منا فضل التأمل لاستخلاص مقاصده. وانتهى الأستاذ المتدخل إلى مكانة الآخر في القرآن الكريم وتجليه إلى أنسب مستويات الحوار وأرقاها، ولهذا يجب تمثل الناس لذلك والاستفادة منه في حوار الآخرين لأجل نبذ العنف وتحقيق السلم.

أما المداخلة العلمية الثانية فكانت بعنوان: “جمال الحوار القرآني والنبوي مع المخالف”، للأستاذ الدكتور أحمد العمراني (من جامعة شعيب الدكالي في المغرب). انطلق الأستاذ المتدخل من تعريف المفاهيم المكونة لعنوان مداخلته، وخاصة مفاهيم “الجمال” و”الحوار” و”المخالف”. كما وقف على جمالية أسلوب الحوار مع المخالف الذي يدعو إلى طه عبد الرحمان. وانتهى إلى الحديث عن أنواع الحوار وأهميته في العلاقات الإنسانية باختلاف قناعاتهم وعقائدهم. وبعد نهاية مداخلته شكر الأستاذ المتدخل الجهات الساهرة على إنجاح هذا المؤتمر.

 

الجلسة العلمية الخامسة

ترأس هذه الجلسة الدكتور ميمون نكاز من جامعة محمد الأول في وجدة، وقد تضمنت أربع مداخلات:

المداخلة الأولى كانت بعنوان: “فلسفة التواصل عند طه عبد الرحمن وجدلية القومي والكوني” للأستاذ الدكتور جلول مقورة (من جامعة المسيلة بالجزائر). في بداية مداخلته قدم الدكتور جلول مقورة تحية إجلال وتقدير لكل الجهات الساهرة على تنظيم هذا المؤتمر الذي احتفى بمشروع من أهم المشاريع الفلسفية في تاريخ الفكر العربي المعاصر، من حيث قدرته على فتح مجال التواصل بين المختلفين والمتعارضين، بل وبين المتناقضين أيضا. وأكد الأستاذ المتدخل أن دهشة الإنسان وحيرته تدفعه إلى البحث عن تجربة تواصلية من أجل معرفة علاقته ومصيره مع وجود الآخر. وهذا الآخر الذي يترجح مفهومه بين السلبي والإيجابي، والإثبات عن طريق النفي أو العكس، لكن يبقى دائما هذا الأخر معبرا عن الذات. فكل نظرة إلى الذات تنطوي على نظرة إلى الآخر، إلا أن هذا الآخر لا يمثل جوهرا ثابتا وإنما يمثل حالات متنوعة.

غير أن مسألة التواصل بالنسبة للمفكر والباحث والدارس العربي تطرح من خلال المستوى الحضاري؛ وذلك من أجل تحديد المسافة التي تفصل الآخر الحداثي عن الآخر الغربي، إما بمحاولة تجاوز هذه المسافة واحتضانه وإما بمعاداته وإدانته. وفهم هذه المسافة مرتبط بفهم العلاقة التي تربط الإنسان العربي بالآخر الغربي، فالتفكير في أوضاع الفكر العربي المعاصر في ضوء مقولتي “الصراع والتواصل” محكوم بفهم هذه العلاقة التي تربط بينهما. إلا أن هذا الفهم الرامي إلى خلق التواصل الفعال بين الآخر الغربي والآخر العربي يعرف عائقا كبيرا يكمن في ما أسماه الأستاذ المتدخل بالمركزية الثقافية؛ ويقصد بذلك تقديس أنموذج ثقافي على حساب أنموذج ثقافي آخر، بحيث يصبح الأنموذجُ الثقافي المقدس غيرَ قابل للجدل، ومصدرا للأحكام والمعارف والقيم، وهو ما ينتج عنه  تمايز ثقافي يصبح فيه الحق في الاختلاف غير مقبول.

كما توقف الأستاذ المتدخل عند نظرة الفيلسوف طه عبد الرحمن إلى قضية الاختلاف الفلسفي، التي يقسمها إلى قسم داخلي وقسم خارجي: يرتبط القسم الأول بالمجال التداولي الواحد، الذي تحكمه حقائق فلسفية ثابتة يمكن اعتبارها أصولا؛ في حين يرتبط القسم الثاني بالمقارنة بين مجالين تداوليين متباعدين. وبالرغم من توافق بعض الفروع فإن الاختلاف داخله يبقى السمة الغالبة، وعليه يبقى الاختلاف الفلسفي حقا مشروعا بين الثقافات، لأن اختلاف الحضارات والثقافات فيما بينها ينتج عنه اختلاف فلسفي مشروع، ذلك أن لكل فلسفة ثقافة معرفية خاصة ومجال تداولي خاص؛ فالفلسفة كما يقول طه عبد الرحمان “هي مظهر من مظاهر الحضارة”.

إن فلسفة التواصل عند طه عبد الرحمن- حسب الأستاذ المتدخل- قائمة على مبدأ الاختلاف وعلى آلية الحوار، فالاختلاف يوجب الحوار الذي يدفع بنا إلى التحاورية التي تدفع بدورها إلى “ارتقاء السؤال” بين الفلسفات القومية المختلفة. وذاك من أجل تحقيق كونية فلسفية لا تقوم على أساس الفرد والهيمنة وإنما على الحجة الأقوى والدليل الأكثر إقناعا.

وأشار الأستاذ المتدخل في نهاية مداخلته إلى دعوة طه عبد الرحمن إلى الحق في الاختلاف الفلسفي، وذلك من خلال فهم مقولتي القومي والكوني، مع عدم إغفال المسألة الإسلامية في هذا الأمر.

المداخلة الثانية كانت بعنوان: “الفيلسوف والترجمة: سؤال الأخلاق في الممارسة الترجمية عند طه عبد الرحمن”، للأستاذة الدكتورة فدوة الهزيتي (من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء). افتتحت الدكتورة الهزيتي حديثها بشكر الجهات المنظمة للمؤتمرات، كما عبرت عن مدى سعادتها بلقاء الفيلسوف طه عبد الرحمن وبمشاركتها في تكريمه. انطلقت في البداية من أهمية السؤال الفلسفي في الترجمة بشكل خاص ومن أهمية السؤال في فكر الفيلسوف بشكل عام. إن السؤال الترجمي والفلسفي في فكر طه عبد الرحمن- حسب المتدخلة- عبارة عن خيوط نسجت بإتقان وإحكام، ثم تكاثرت وتشابكت وتناسل بعضها من بعض وفسر بعضها بعضا؛ لأن واحدية السؤال لدى الكاتب الواحد لا تكتسب واحديتها إلا من تعدد المآلات، وهذا ما يجعل طه عبد الرحمن ينطلق من مسلمة مفادها “لا إنسان بلا أخلاق”.

إن الهدف الذي توخاه طه عبد الرحمن من سؤاله الفلسفي هو- حسب قول المتدخلة- الإسهامُ في إنشاء فلسفة إسلامية أخلاقية معاصرة، ليصبح بذلك طه عبد الرحمن فيلسوف الأخلاق وتصير فلسفته فلسفة تخلق. وتضيف المتدخلة قائلة: “إن نصوص فلسفة طه عبد الرحمن نصوص متماسكة منطقيا”، تحتاج إلى قدرة فكرية كبيرة من أجل التعامل معها، وذلك من أجل فهم السؤال الفلسفي الطاهوي أولا، وفهم سؤال الترجمة ثانيا. وختمت المتدخلة مداخلتها بالوقوف على ممارسة طه عبد الرحمن للترجمة واشتغاله بها من جهة، وخروجه من وصف النظر إلى وصف العمل من جهة ثانية. وقد اعتبرت أن هذه الثنائية هي أساس قيام السؤال الترجمي في فلسفة طه عبد الرحمن.

المداخلة الثالثة كانت بعنوان:”أخلاقيات المحاور الإعلامي؛ تحولات في زمن المادة” للأستاذ الدكتور عبد الرحمن فهد (من جامعة الرياض في المملكة العربية السعودية).

في بداية مداخلته قدم الأستاذ المتدخل الشكر والتقدير لكل الجهات المنظمة لهذا المؤتمر، وتناول في مداخلته أخلاقية الحوار الإعلامي؛ وذلك من خلال برنامج “الثامنة” لمقدمه داوود الشريان والذي تعرضه قناة “MBC”، وقد توقف عند ثلاث محطات رئيسة في تحليله لهذا البرنامج، بحيث تناول في المحطة الأولى: ما أسماه بالابتذال اللغوي، ويقصد به استعمال منشط البرنامج أسلوبا لغويا وحواريا غير أخلاقي. أما المحطة الثانية من مداخلته فقد تناول فيها مسألة العنصرية التي يرى أنها أصبحت منتشرة في الإعلام ولكن بشكل خفي جدا. أما المحطة الأخيرة فقد خصصها للمعاملة الأخلاقية التي يتعامل بها منشط البرنامج مع بعض ضيوفه. وقد أنهى العارض مداخلته بعقد مقارنه بين الإعلام العربي والإعلام الغربي، الذي أصبح يهدف إلى الربح على حساب الأخلاق والحوار.

المداخلة الرابعة كانت بعنوان:”التدافع كأفق أخلاقي للحوار الحضاري” للأستاذ الدكتور عبد السلام بوزبرة (جامعة المسيلة بالجزائر). أكد الدكتور بوزبرة في بداية حديثه أن مسألة الحوار هي عبارة عن مقولة أساسية استرعت اهتمام الباحثين والمنظرين ورجال السياسة وعلماء الاجتماع، غير أن هذا الحوار لا يمكن له أن يكون إلا من خلال سنة الله في خلقه وهي سنة التدافع، وبالتالي فلا يمكن لنا-حسب رأيه- أن نؤسس لقضية الحوار إلا من داخل التدافع. ويرى بوزبرة أن سنة التدافع أخذت منحيين متباينين؛ يفيد المنحى الأول التنازع، بينما يفيد المنحى الثاني التعارف. وبالتالي فالتدافع إنما هو المرجعية التي يجب العودة إليها في البحث في مسألة التعارف والتعايش والحوار بين الثقافات والديانات. غير أن البحث في قضية التدافع تطرح أمام التحديات التي تواجهها الأمة العربية الإسلامية خصوصا في ظل الاجتياح الكاسح لما يعرف بالعولمة، التي خربت الثقافات وأخلاق المجتمعات حسب قوله. وبالتالي فإن أهم تَحَدٍّ تواجهه الأمة هو كيف يمكن لها أن تدفع هذه المخاطر التي تحذق بها، وكيف يمكن للخطاب العربي الإسلامي أن يتجاوز الخطاب الغربي المتصلب من أجل دفع مفاسده. وهذا هو ما جعل المفكر طه عبد الرحمن يدعو إلى التعارف اللين في مقابل التعارف الصلب الذي يعرفه العالم الغربي. ليخلص الباحث في نهاية مداخلته إلى عرض الخلاصات التي توصل إليها في بحثه والتي تكمن في أهمية التدافع من أجل خلق حوار أخلاق كوني تُحترَم فيه خصوصية كل ثقافة على حدة.

 

الجلسة الختامية

ترأس الجلسة الختامية للمؤتمر الدكتور أبو زيد المقرئ الإدريسي (من جامعة الحسن الثاني في المغرب). وقد بدأ بإعطاء الكلمة للدكتور سليمان بن ناصر الحسيني، الذي ألقى كلمة باسم الضيوف ضَمَّنَها ثناءهم على حسن الاستقبال والضيافة وعلى الجو العام الذي مرّ فيه المؤتمر، راجين من الله التوفيق فيما يَستقبَل من دوراته. وأُعطيَت الكلمة بعد ذلك إلى الدكتور علي بن حسين موسى، الذي تلا مجمل التوصيات التي اقترحها زوار المؤتمر ومن أهمها: الدعوة إلى طبع بحوث المؤتمر، والعمل على فتح وحدات في الماستر والدكتوراه من أجل دراسة أعمال المفكر طه عبد الرحمان، كما تمت الدعوة إلى إنشاء معجم يهتم بشرح مصطلحات المفكر طه عبد الرحمان، هذا مع إنشاء مركز باسمه قصد التعريف به لدى الأجيال الصاعدة.

وأعطيت الكلمة الختامية للمؤتمر للمفكر المجدد طه عبد الرحمن الذي ألقى كلمة مقتضبة وعميقة، ابتدأها بشكر كل الهيئات التي نظمت هذا المحفل العلمي، والهيئات التي أسهمت في إنجاحه من الضيوف المشاركين، ومن الحضور الكريم.  وخصص ركز في كلمته الختامية هذه على الحوار، معتبرا أن اللسان لا يوفي الحوار حقه إن لم يكن مقرونا بحوار العينين؛ فالعينان تتحاوران كما تتحاور الألسنة؛ فـ”إذا كان حوار اللسان واجبا فإن حوار العين أوجب، لأنه يعم جميع الكائنات”، و”إذا استقام حوار العين، استقام حوار اللسان”.

مقالات ذات صله