لا مرية في أن الميسم المهيمن على عصرنا الحديث هو الانفتاح والتكامل بين شتى المجالات المعرفية، فنحن نعيش عصرا يعرف طفرة في أشكال التواصل والاتصال والإعلام، بحيث أصبح تسويق المعلومات وتبليغها أمرا ذا بال على جميع المستويات: الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي…
ولا ريب كذلك في أن التواصل والاتصال، لغويا كان أو غير لغوي، يستبطن خطابا حجاجيا بالبداهة، ومن ثم فلا تواصل بدون حجاج، كما أنه ليس ثمة معرفة علمية دون برهان.
وقد غدا من الدارج والمتداول القول إن المجال المعرفي المتصل بالحجاج والإقناع لا يشكل جانبا من معرفة الحاضر فقط ، بل سيكون جانبا من جوانب معرفة المستقبل، لحداثة هذا الموضوع المعرفي، وراهنية أدواته في التفكيك والتركيب والتحليل والنقد… ولأن المناولة الحجاجية لا تخلو من فاعلية في هتك أسرار الخطاب، واستجلاء خباياه.
وراهنية المجال الحجاجي، وكذا حداثة السؤال عن الحداثة العربية، وعلاقتنا بالآخر، تستلزم إعادة صياغة السؤال الحضاري، من سؤال بياني تشكلت معالمه الكبرى مع الجاحظ، وآثاره في هذا الباب دالة عليه، إلى سؤال التصوير مع النقد الحديث وعصر الصورة والتلفاز، كل ذلك في ارتباط بالطبيعة الحجاجية للخطاب.
لقد بلغت الأبحاث الدائرة حول الإقناع ونظريات الحجاج في مختلف الخطابات، درجة عالية من الدقة في التنظير والتقعيد، واستنباط الآليات والأدوات الإجرائية والمنهجية والمعرفية التي يقوم عليها الحجاج في الخطاب، وإذا كان الخطاب اللغوي الإقناعي يخضع لقواعد اللغة ، ويقوم بتقديم الحجج أو استنباطها واستقرائها عن طريق الروابط مثل ” ذلك ، أن ، حيث لهذا، ثم ،لكن، حتما، حسنا، من جهة أخرى…“ فهذه العملية تخضع لعملية فكرية تساير المنطق وتأخذ وضعية المخاطب الاجتماعية، والمادية، والفكرية…بعين الاعتبار. فيحصل أن يكون الإقناع إما واضحا يستخلص من المعطى الظاهري للخطاب. وإما أن يكون ضمنيا يستخرج من المعطى الاحتمالي الاقتضائي للخطاب. فهذه الروابط هي أحد المؤشرات الحجاجية التي تسند معنى من المعاني إلى المقولات التي يتلفظ بها المتكلم.
وبما أن الخطاب عامة ذو طبيعة حجاجية، فإن تبيلغ هذا الخطاب عن طريق الترجمة، بحاجة إلى مقاربة نوعية خاصة، تستحضر الإشكالات المستعصية التي يطرحها المنوال الحجاجي داخل لغة الأصل، وكذا داخل لغة الهدف؛
فهل تحافظ الترجمة على هذه القيم ؟ أم أنها ستضيع بضياع الحقل الدلالي ؟ والسياق الذي أخدت منه؟
وإلى أي حد يؤثر اختلاف الهويات وتباين الثقافات في استشكال الخطاب الحجاجي واستعصائه على الترجمة؟
وكيف يمكن ترجمة الآليات والأدوات الإجرائية للحجاج مع الحفاظ على سياقها الدلالي ودون تضييع لحمولتها الفكرية، والحجاجية.
والنظرية الحجاجية وصلت اليوم إلى الحديث عن “الحجاج والعواطف الإنسانية”: محاولة التعرف على منزلة العواطف من النظرية الحجاجية داخل اللغة. فهل باستطاعة النظرية الترجمية التعامل مع هذا المكون العاطفي ونقله بكل أمانة من اللغة الأصل إلى اللغة الهدف؟ بمعنى آخر هل يمكن ترجمة الحجة القائمة على العاطفة؟ وما هي حدود المشاكل التي تطرحها هذه الترجمة؟ ثم ما هي وجوه الصلة الموجودة بين الحجة القائمة على العقل، والحجة القائمة على العاطفة في الترجمة؟ وكيف يمكن تجسير الهوة بين الحجج العقلية والحجج العاطفية أثناء عملية الترجمة؟ هل تحافظ الترجمة على سياق هذه الحجج العقلية والعاطفية وروابطها وحمولتها معا؟ أم أنها ستضيع بفعل الترجمة؟
وكيف تتم ترجمة المصطلحات الحجاجية من لغة إلى أخرى؟ وما هي المشاكل التي تعوق هذه الترجمة؟.
تقرير حول اليوم الدراسي “الترجمة والحجاج”
عقد مختبر الترجمة وتكامل المعارف بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض مراكش يوما دراسيا في موضوع: الترجمة والحجاج، وذلك تكريما للأستاذ الدكتور أبو بكر العزاوي، يوم الخميس 25 أبريل 2013 بقاعة الاجتماعات برحاب الكلية.
وقد تضمن اليوم الدراسي بالإضافة إلى الكلمة الافتتاحية للسيدة عميدة الكلية وداد التباع، وكلمة الدكتور مدير مختبر الترجمة وتكامل المعارف عبد الحميد زاهيد، جلستين علميتين.
الجلسة الصباحية كانت قراءة في المشروع الحجاجي للدكتور أبو بكر العزاوي، وترأس هذه الجلسة فضيلة الدكتور يوسف الإدريسي، وتضمنت المداخلات التالية:
- مداخلة الدكتور عادل عبد اللطيف تحت عنوان المشروع الحجاجي للدكتور أبو بكر العزاوي، وقدم فيها الخطوط العريضة لجهود الدكتور العزاوي في موضوع الحجاج، وذلك باستعراض أهم الدراسات والكتب التي ألفها في هذا الموضوع، وأهم الملامح والخطوط العريضة التي وسمت هذا المشروع.
- مداخلة الدكتور مولاي يوسف الإدريسي، في موضوع “الحجاج والترجمة قراءة في نقول الشعرية الأرسطية عند العرب“
- مداخلة مشتركة بين الطلبة الباحثين: هدى روض، وحنان مضاري، وسعيد قطفي، تحت عنوان: “قضايا في الحجاج: قراءة في كتاب “حوار حول الحجاج للدكتور أبي بكر العزاوي“
- مداخل مشتركة بين الطلبة الباحثين: أسماء كويحي ولالة مريم بلغيثة وعبد العزيز أيت بها ومعنونة بــ: “حجاج اللغة ولغة الحجاج: قراءة في كتاب: “اللغة والحجاج” للدكتور أبي بكر العزاوي“.
- مداخلة مشتركة بين الطلبة الباحثين: محمد الفلالي، ومحجوبة البفور، وعبد العزيز جابا الله: في موضوع: “حجاجية الخطاب في كتاب “الخطاب والحجاج” للدكتور أبي بكر العزاوي“.
- مداخلة الدكتور عبد الحميد زاهيد: تحت عنوان: الاستعارة والحجاج “قراءة في كتاب ” اللغة والحجاج” للدكتور أبي بكر العزاوي“.
وقد اختتمت هذه الجلسة الصباحية بمناقشة عامة تم من خلالها التداول في أهم الأفكار والطروحات والقضايا التي تناولتها المداخلة التي استمع إليها الحاضرون، كما تميزت هذه المناقشة بتدخل مطول للدكتور العزاوي، وضح فيه الكثير من السياقات التي واكبت مشروعه الحجاجي، سواء في المغرب أو في فرنسا مع رائد النظرية الحجاجية في الغرب اللغوي الفرنسي أزفالد ديكرو.
أما الجلسة المسائية فقد كانت برأسة الدكتور الفاضل الأستاذ حسن درير، وكانت عبارة عن محاضرة علمية للدكتور المحتفى به، الأستاذ أبو بكر العزاوي، تحت عنوان: “الترجمة والحجاج” وقد عرفت هذه المحاضرة الغنية حضور ثلة من أساتذة الكلية، من تخصصات مختلفة، وكذا أساتذة من خارج الكلية، خاصة كلية اللغة العربية بمراكش.